قاعدة المعرفة

هذا النص هو مثال لنص يمكن أن يستبدل في نفس المساحة، لقد تم توليد هذا النص من مولد النص العربى

التوجهات الحديثة في تأهيل وتشغيل الأشخاص ذوي الاعاقة

شهد العالم في النصف الثاني من القرن العشرين، حركة واسعة نحو تعزيز الديمقراطية وترسيخ مبادئ العدالة الاجتماعية والقضاء على جميع أشكال التمييز وتأكيد قضايا حقوق الإنسان، وقد استفادت قضايا الإعاقة من مثل هذه التحولات حيث تبلورت الكثير من المفاهيم الحديثة حول الإعاقة، وتنامي الاهتمام العالمي بقضاياها. وتجسد هذا الاهتمام بإعلان سنة 1982 السنة العالمية للمعوقين، وتبني العقد الدولي للمعوقين خلال الفترة 1983-1992، الذي كان مناسبة لبلورة الأفكار والاستراتيجيات والتوجهات العالمية الحديثة نحو الإعاقة وتأهيل ذوي الاعاقة . وتاليا العناصرالاساسية لهذه التوجهات الحديثة:

 

أولا: تأهيل المجتمع نحو تأهيل الأشخاص ذوي الاعاقة

يقوم المفهوم التقليدي لتأهيل الأشخاص ذوي الاعاقة  على الاعتقاد بأن الإعاقة ما هي إلا انحراف أو شذوذ عن العادي، وبأن الشخص ذوي الاعاقة  موضوع للمساعدة من خلال إجراءات التأهيل الهادفة إلى تعويض النقص لديه وتقريبه قدر المستطاع إلى ما اتفق على أنه العادي في الحياة. إن مثل الاعتقاد، سيضعنا حتما أمام تناقض واضح بين ما يهدف إليه التأهيل وما تعنيه الإعاقة. فالإعاقة هي انعكاس للمنظور الاجتماعي في تقييم العجز لدى الفرد في التعامل مع متطلبات الدور أو الوظيفة على مقياس الأداء، فالمشكلة هنا إذن تكمن في التركيب الثقافي والاجتماعي لمجتمع الشخص، أكثر من كونها ترتبط بالعجز عن أداء الدور. وهنا وفي إطار الالتزام بمبادئ حقوق الإنسان، فإن على المجتمع أن يقبل الفروق الفردية بين أفراده، وليس العمل على تعديلها بشكل قسري لموائمة العادي، بل بتوفير ما يلزم من التسهيلات لاستيعاب هذه الفروقات في البنى العادية لبرامج المجتمع، وليس باستثنائها أو إهمالها، وذلك من خلال النشاطات الموجهة نحو تهيئة المجتمع وتنمية الوعي الاجتماعي، وإزالة الحواجز ودعم دمج الأشخاص ذوي الاعاقة  وخدماتهم في البنى الأساسية العادية في المجتمع، وبهذا تكون الإجراءات التأهيلية للأشخاص ذوي الاعاقة  مجرد عوامل مساعدة لتحقيق الحد الأقصى من الدمج في المجتمع.

 

ثانيا: التكامل القطاعي لخدمات التأهيل

يتطلب تحقيق التأهيل الشامل للأشخاص ذوي الاعاقة ، إيجاد نوع من التنسيق والتكامل بين مختلف الخدمات القطاعية، لمواجهة الحاجات التأهيلية للأشخاص ذوي الاعاقة ، ومن الأمثلة الواضحة على ذلك، أن الشخص ذوي الاعاقة  سيجد صعوبة في تحقيق الدمج المهني، إذا لم يكن قد عايش خبرات ايجابية للدمج التعليمي، وفي نفس الوقت، فإنه يصعب تحقيق الدمج التعليمي دون دعم الأسرة وتدريب المعلمين وتبسيط المناهج  وتوفير الأدوات المعينة، وقبل هذا وذاك، فقد يكون من الصعب أن يحقق الشخص ذوي الاعاقة  الدمج المنشود، إذا لم تتوفر الظروف الصحية الملائمة من خلال برامج الرعاية الصحية الأولية والخدمات الصحية المتخصصة والتأهيل الطبي الملائم. لذلك، لا بد أن تتوفر للشخص ذوي الاعاقة  وأسرته، إمكانات الوصول إلى الخدمات والحصول عليها من خلال برامج المساعدة والدعم الأهلي والحكومي.

 

ثالثا: دمج خدمات التأهيل نحو دمج الأشخاص ذوي الاعاقة   

تشير الدراسات التتبعية لتطور خدمات التأهيل الحديث خلال العقدين الماضيين، إلى تعزيز واضح في تبني مفاهيم الدمج للأشخاص ذوي الاعاقة  وخدماتهم في البنى العادية لخدمات المجتمع، وإلى تنامي المنظور الاجتماعي والمشاركة في عملية تأهيل ذوي الاعاقة ، وتدني الاعتماد على التدابير التخصصية المقرونة بمواقف الاستبعاد والاستثناء والعزل. ويرجع هذا التوجه الحديث إلى سببين رئيسيين، هما :

أولا: ميل الخدمات المتخصصة إلى الحماية الزائدة، والتركيز على منظور العجز، والاعتماد المفرط على المتخصصين،  وهو ما يحد من تنمية الاعتماد على الذات.

ثانيا: التكلفة الباهظة للخدمات التأهيلية المتخصصة المتمركزة في المدن الكبيرة، التي لا تصل خدماتها إلا لفئة قليلة من ذوي الاعاقة  الميسورين. وعليه، فإن التوجهات الحديثة تتوجه نحو تشجيع الدمج في الخدمات الصحية والتعليمية والمهنية والاجتماعية القائمة في المجتمع، وفي ظروف تتسم بالعادية قدر المستطاع.

 

في مسايرة التوجهات الحديثة في مجال تأهيل الأشخاص ذوي الاعاقة ، يبدو أن المهمة الأساسية في بناء البرنامج الوطني، يكون في تنظيم المداخلات والإجراءات القطاعية في مجال تأهيل الأشخاص ذوي الاعاقة ، ويأتي ذلك من خلال تشكيل اللجان على مختلف المستويات: المحلي والوسيطي(المحافظة أو المنطقة) والوطني، وهو ما يفيد في تنسيق وتنظيم الإجراءات التأهيلية اللازمة دون تحديدها بجهة محددة، حيث يتم تشكيل اللجنة الوطنية على المستوى الوطني، برئاسة رئيس الوزراء، أما على مستوى المحافظة فمن الممكن أن يرأس المحافظ هذه اللجنة بينما تكون الرئاسة على المستوى المحلي لرئيس القرية أو لأحد الوجوه الشعبية أو الرسمية المتواجدة في المجتمع.

 

وهكذا، فإن التوجهات الحديثة في مجال تأهيل الأشخاص ذوي الاعاقة  تؤكد على أن الشخص ذوي الاعاقة  إنسان ومواطن، له من الحاجات والحقوق، ما يضعه على قدم المساواة مع غيره من المواطنين. ويتركز الاختلاف حول منهجية وأساليب مواجهة هذه الحاجات المرتبطة بالإعاقة دون المساس بحقوق المواطنة المتكافئة للشخص ذوي الاعاقة  في المجتمع، وبما يمكن أن يحقق الدمج الكامل للشخص ذوي الاعاقة  في الحياة العامة والعمل.